كتب عوفر كاسيف، عضو الكنيست الإسرائيلي عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، في مقال نشرته صحيفة الجارديان، أن ما جرى داخل الكنيست الأسبوع الماضي يعكس زيف الديمقراطية الإسرائيلية. فقد رفع مع زميله أيمن عودة لافتة كتب عليها "اعترفوا بفلسطين" أثناء خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أن تُخرجهما القوات بعنف من القاعة. تساءل كاسيف: كيف يتحدثان عن السلام بينما يرفضان الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة بعد عقود من الاحتلال؟
وأوضح الجارديان أن الخداع يتجلى بوضوح في الضفة الغربية المحتلة، حيث تتواصل اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين دون رادع. فخلال أسابيع قليلة بعد إعلان خطة ترامب ذات النقاط العشرين في نهاية سبتمبر، وُثّق أكثر من ثلاثين اعتداء شمل ضرب مزارعين فلسطينيين وسرقة محاصيلهم وحرق مركباتهم وممتلكاتهم. وأشار الكاتب إلى أن ارتفاع وتيرة الإرهاب الاستيطاني يتزامن مع موسم الحصاد، وهو مناسبة وطنية واجتماعية للفلسطينيين تعبّر عن صمودهم، ولذلك يستهدفها المستوطنون كل عام.
بيّن كاسيف أن منظمة "يش دين" الحقوقية الإسرائيلية رصدت خلال موسم الحصاد عام 2024 أكثر من مئة وثلاثة عشر حادثة اعتداء وتخريب وحرمان من الوصول إلى الأراضي الزراعية في إحدى وخمسين قرية وبلدة فلسطينية. كما أوضحت المنظمة أن قوات الأمن الإسرائيلية شاركت بشكل مباشر في عرقلة الحصاد في نحو سبعين في المئة من الحالات، سواء عبر منع الفلسطينيين من دخول أراضيهم أو التواطؤ مع المستوطنين الذين هاجموهم.
وأشار الكاتب إلى أن هذا الوضع ليس مفاجئًا بعد أن عُيّن الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب المستوطنين، وزيرًا إضافيًا في وزارة الدفاع مسؤولًا عن الإدارة المدنية في الأراضي المحتلة. ففي قرية أم الخير مثلًا، اقتلعت وحدة تابعة لتلك الإدارة أشجار الزيتون الخاصة بالفلسطينيين بذريعة "غياب التراخيص"، بينما تجاهلت البؤرة الاستيطانية المجاورة غير القانونية، رغم صدور قرار قضائي بوقف بنائها الأسبوع الماضي.
يرى كاسيف أن إرهاب المستوطنين ليس سلوكًا فرديًا بل سياسة حكومية تهدف إلى فرض واقع الضم التدريجي. فمطلع الشهر قاد سموتريتش مسيرة شارك فيها آلاف المستوطنين داعيًا علنًا إلى "تطبيع الاستيطان وجعله أبديًا". وتساءل الكاتب: لماذا تتردد الدول الغربية في فرض عقوبات حقيقية على هؤلاء؟ ورغم أنّ المملكة المتحدة فرضت عقوبات على سموتريتش في يونيو الماضي، فإنها اقتصرت على منعه من السفر إلى لندن، بينما يواصل ممارسة سلطته الوزارية في مصادرة الأراضي الفلسطينية.
وانتقد كاسيف ازدواجية المعايير الغربية قائلاً إن بريطانيا، رغم إقرارها بالعنف الاستيطاني، ما زالت تسمح ببيع منتجات المستوطنات في أسواقها. وسأل: كيف يمكن لحكومة تعلن اعترافها بفلسطين كدولة مستقلة أن تسمح لإسرائيل بانتهاك سيادتها بهذه الوحشية؟ ورأى أن هذا الاعتراف ربما لم يكن إلا خطوة رمزية لتهدئة الرأي العام، لا التزامًا فعليًا بحقوق الفلسطينيين.
وأضاف أن السلام العادل لا يتحقق إلا باحترام حق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة والحرية من الاحتلال والحصار، وأن الكرامة المتساوية بين البشر من النهر إلى البحر هي أساس أي تسوية حقيقية.
وأكد كاسيف أن السلام الحقيقي يتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، باعتباره الحل الوحيد الذي يحظى بإجماع المجتمع الدولي والحركة الوطنية الفلسطينية والمعسكر الإسرائيلي الداعم للسلام.
ويرى الكاتب أن ترامب لم يضغط على نتنياهو من منطلق إنساني لإنهاء الحرب على غزة، بل بدافع سياسي بعد أن أصبحت علاقته بحكومة منبوذة عالميًا عبئًا عليه. وأشار إلى أن التظاهرات الضخمة حول العالم الداعمة لفلسطين، والاحتجاجات المستمرة داخل إسرائيل ضد سياسات نتنياهو، هي التي فرضت هذا التغيير ودفعت نحو وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى.
اختتم كاسيف مقاله بالتأكيد على أنّ ما تحقق من هدنة وإطلاق رهائن لا يجب أن يجعل العالم يغفل عن الجرائم الجارية في الضفة الغربية، محذرًا من أن تجاهلها يعني تكرار الخطأ نفسه الذي ارتُكب في غزة. فالمساءلة الدولية والضغط الشعبي، بحسب قوله، هما الوسيلتان الوحيدتان القادرتان على إنهاء الإفلات من العقاب وضمان سلام حقيقي لا يكرّس الظلم بل يضع حدًا له.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/oct/16/gaza-israeli-settlers-west-bank-impunity-palestinian-farmers